recent
أخبار ساخنة

### **سينما الرعب: طوق النجاة الذي انتشل شباك التذاكر من الغرق**

الصفحة الرئيسية

 

### **سينما الرعب: طوق النجاة الذي انتشل شباك التذاكر من الغرق**

 

في مشهد سينمائي عالمي بدا وكأنه يعاني من أزمة هوية وركود إبداعي، حيث بدأت هالة الأبطال الخارقين تخفت وتضاءلت جاذبية السلاسل السينمائية الممتدة، بزغ نوع سينمائي لطالما اعتبره البعض هامشياً ليحتل مركز الصدارة. إنها سينما الرعب، التي تحولت من مجرد أفلام للتسلية وإثارة الفزع إلى المنقذ غير المتوقع لصناعة السينما ودور العرض، مقدّمةً نموذجاً اقتصادياً ناجحاً ومرآة صادقة للقلق الإنساني المعاصر.

في مشهد سينمائي عالمي بدا وكأنه يعاني من أزمة هوية وركود إبداعي، حيث بدأت هالة الأبطال الخارقين تخفت وتضاءلت جاذبية السلاسل السينمائية الممتدة، بزغ نوع سينمائي لطالما اعتبره البعض هامشياً ليحتل مركز الصدارة. إنها سينما الرعب، التي تحولت من مجرد أفلام للتسلية وإثارة الفزع إلى المنقذ غير المتوقع لصناعة السينما ودور العرض، مقدّمةً نموذجاً اقتصادياً ناجحاً ومرآة صادقة للقلق الإنساني المعاصر.
### **سينما الرعب: طوق النجاة الذي انتشل شباك التذاكر من الغرق**


### **سينما الرعب: طوق النجاة الذي انتشل شباك التذاكر من الغرق**


  • لم يأتِ هذا التحول من فراغ، بل هو نتيجة تقاطع عوامل اقتصادية، سيكولوجية، وإبداعية أعادت
  •  تشكيل علاقة الجمهور بالشاشة الكبيرة. ففي الوقت الذي كانت فيه الاستوديوهات الكبرى تراهن
  •  بمئات الملايين من الدولارات على أفلام تفشل في تحقيق العائد المأمول، كانت أفلام الرعب
  •  بميزانياتها المتواضعة وأفكارها الجريئة، تحقق نجاحات كاسحة وتثبت أنها الحصان الأسود الذي
  •  تحتاجه الصناعة بشدة.

#### **أفول العمالقة إرهاق الأبطال الخارقين وفراغ الساحة**

 

لفهم صعود الرعب، يجبأولاً تحليل تراجع منافسيه. سيطرت أفلام الأبطال الخارقين على شباك التذاكر لأكثر من عقد من الزمان، لكن السنوات الأخيرة شهدت ما يمكن تسميته بـ "إرهاق الأبطال الخارقين" (Superhero Fatigue).

  • أصبحت القصص متشابهة، والمخاطر أقل تأثيراً، والشخصيات تفتقر إلى العمق الذي كانت تتمتع به
  •  في بداياتها. الجمهور، الذي تشبّع من المعارك الكونية والمؤثرات البصرية المبالغ فيها، بدأ يبحث عن
  •  تجارب أكثر أصالة وتأثيراً عاطفياً مباشراً. هذا الفراغ الذي خلفه تراجع أفلام "الخيمة الكبيرة"
  •  (tent-pole films) وفّر فرصة ذهبية لنوع آخر ليملأه، وكان الرعب هو الأجدر والأكثر استعداداً.

 

#### **العبقرية الاقتصادية للخوف نموذج "حلم المحاسب"**

 

يكمن أحد أهم أسرار نجاح سينما الرعب في نموذجها الاقتصادي الفذ. يصف المحللون هذه الأفلام بأنها "حلم المحاسب"، وهي تسمية دقيقة. على عكس أفلام الخيال العلمي أو المغامرات التي تتطلب ميزانيات ضخمة للمؤثرات الخاصة وتصميم العوالم، يمكن إنتاج فيلم رعب مؤثر بميزانية منخفضة نسبياً. لا يعتمد الرعب الحقيقي على حجم الانفجار، بل على بناء التوتر، واستغلال الظلال، وإثارة مخاوف المشاهد النفسية.

 

  • استوديوهات مثل "بلومهاوس برودكشنز" (Blumhouse Productions) أتقنت هذا النموذج، حيث
  •  تنتج أفلاماً بتكاليف تتراوح بين 5 و15 مليون دولار، لتحقق إيرادات تتجاوز 100 أو 200 مليون
  • دولار عالمياً. أفلام مثل "M3GAN" (ميزانية 
  • 12 مليون دولار، إيرادات 181 مليون دولار) أو "Smile" (ميزانية 17 مليون دولار، إيرادات
  •  217 مليون دولار) هي أمثلة حديثة ساطعة على هذا العائد الهائل على الاستثمار. هذا النموذج لا يقلل
  •  المخاطر المالية فحسب، بل يشجع أيضاً على التجريب الإبداعي، حيث يكون صناع الأفلام أكثر
  •  حرية في استكشاف أفكار غريبة وجريئة دون الخوف من إهدار ميزانية ضخمة.

 

وفقاً لبيانات شركة "كومسكور"، قفزت حصة أفلام الرعب من إجمالي مبيعات التذاكر في أمريكا الشمالية إلى 17% في عام 2023، وهي زيادة هائلة مقارنة بنسبة 11% في العام السابق، ونسبة ضئيلة لا تتجاوز 4% قبل عقد من الزمن. هذه الأرقام لا تكذب؛ إنها تؤكد أن الرعب لم يعد مجرد نوع متخصص، بل أصبح ركيزة أساسية لاستقرار السوق السينمائية.

 

#### **مرآة للقلق المجتمعي لماذا نحتاج إلى الخوف الآن؟**

 

إن جاذبية الرعب تتجاوز مجرد الإثارة اللحظية؛ فهي تعمل كمتنفس آمن للتعامل مع مخاوف حقيقية وعميقة في المجتمع. تاريخياً، ازدهرت سينما الرعب في أوقات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. واليوم، نحن نعيش في عالم مشبع بالقلق: من توابع جائحة عالمية عززت مشاعر العزلة والخوف من المجهول، إلى جنون الارتياب من التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي وفقدان السيطرة، مروراً بالاستقطاب السياسي وتجدد أشكال العنصرية والتمييز.

 

  1. أفلام الرعب الحديثة تتناول هذه المخاوف بذكاء. فيلم "Get Out" للمخرج جوردان بيل لم يكن مجرد
  2.  فيلم رعب، بل كان تعليقاً اجتماعياً لاذعاً على العنصرية الليبرالية الخفية. أفلام مثل "The
  3.  Invisible Man" تستكشف الرعب النفسي للعلاقات المسيئة والسيطرة. بينما تعكس أفلام الزومبي
  4.  ومصاصي الدماء مخاوف العدوى وفقدان الهوية الفردية.

 وبهذا، تصبح سينما الرعب "علاجية"، كما يصفها المحلل ستيفن فولوز، فهي تتيح لنا مواجهة أسوأ مخاوفنا في بيئة محكومة، وتجربة ذروة التوتر ثم الشعور بالراحة والنجاة مع نهاية الفيلم، وهو ما يصعب تحقيقه في حياتنا اليومية.

 

#### **قوة التجربة الجماعية لماذا نذهب للسينما لنشعر بالرعب؟**

 

في عصر هيمنة منصات البث المنزلي، يبرز سؤال مهم: لماذا يصر الجمهور على مشاهدة أفلام الرعب في دور العرض؟ الإجابة تكمن في قوة "التجربة الجماعية". مشاهدة فيلم رعب في المنزل تجربة مختلفة تماماً عن مشاهدته في صالة مظلمة مليئة بالغرباء. الصرخات الجماعية، والقفزات المتزامنة من المقاعد، والضحك العصبي الذي يتبع لحظة فزع، كلها تخلق طاقة مشتركة تضخم من تأثير الفيلم. تصبح التجربة تفاعلية واجتماعية، وهو ما لا يمكن لمنصة "نتفليكس" أو غيرها أن تقدمه.

 

  • هذا الجانب يجعل الرعب أحد الأنواع القليلة التي لا تزال قادرة على إخراج الناس من منازلهم
  •  وإعادتهم إلى دور العرض، وهو ما أشار إليه مايك دي لوكا، الرئيس المشارك في مجموعة "وارنر
  •  براذرز"، واصفاً الرعب بأنه "موجة المد التي ترفع كل القوارب". إنه يعيد ترسيخ عادة ارتياد
  •  السينما التي تضررت بشدة خلال الجائحة.

 

#### **الخوف كلغة عالمية جاذبية تتخطى الحدود**

 

أخيراً، لا يمكن إغفال الطابع العالمي لسينما الرعب. الخوف هو عاطفة إنسانية أساسية لا تحتاج إلى ترجمة. قصة شبح في منزل مسكون، أو قاتل يطارد ضحاياه، هي مفاهيم يمكن فهمها وتقديرها في أي ثقافة. لهذا السبب، تحقق أفلام الرعب الأمريكية نجاحاً كبيراً في الأسواق الدولية، حيث تشير التحليلات إلى أن 50% أو أكثر من إيراداتها تأتي من خارج الولايات المتحدة. هذا الانتشار العالمي يضمن استمرارية نجاحها ويجعلها استثماراً آمناً للاستوديوهات الكبرى.

 

**في الختام**

 لم تعد سينما الرعب مجرد ظل في عالم السينما، بل أصبحت شمسه الساطعة. من خلال نموذجها الاقتصادي الذكي، وقدرتها على عكس نبض المجتمع ومخاوفه، وتوفيرها تجربة جماعية فريدة، نجحت في انتشال الصناعة من كبوتها.

 إنها تثبت أن القصة الجيدة والأصيلة، حتى لو كانت مخيفة، قادرة على تحقيق ما فشلت فيه المؤثرات البصرية الباهظة: إعادة الروح إلى الفن السابع وجذب الجماهير مجدداً إلى سحر الظلام المضيء في صالات السينما.

### **سينما الرعب: طوق النجاة الذي انتشل شباك التذاكر من الغرق**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent